فقد كانت هناك حالة مدهشة في الإمام أمير المؤمنين، حيث اجتمعت فيه ثلاث خصوصيات غير متلائمة فيما بينها حسب الظاهر. فقد كان الإمام أمير المؤمنين إنساناً قوياً ومقتدراً وفي الوقت نفسه كان إنساناً مظلوماً، وكان مع ذلك المنتصر النهائي في الأحداث المختلفة.
كل القيم و الصفات التي يحترمها الإنسان ويكرّمها - سواء كان إنساناً مؤمناً بالإسلام، أو إنساناً مؤمناً بأيّ دين، أو حتى الإنسان الذي لا يؤمن بأيّ دين، أي إنسان - مجتمعة في علي بن أبي طالب. أي إن علي بن أبي طالب (سلام الله عليه) شخصية تحترمونها إذا كنتم شيعة، وتحترمونها إذا كنتم سنة، وتحترمونها حتى لو لم تكونوا مسلمين أصلاً لكن تتعرفون عليه وتتابعون أحواله و صفاته. كثيرون هم عبر الزمن الأشخاص من أهل السنة الذين كتبوا عن فضائل الإمام أمير المؤمنين. وقد كتب جورج جرداق المسيحي ذلك الكتاب ذا المجلدات الخمسة. شخص مسيحي يكتب حول الإمام أمير المؤمنين كتاباً قبل سنين بكل وله وحبّ. نفس هذا الشخص جاء إلى هنا عندي و جرى معه حديث عن كتابه فقال إنني تعرفت على نهج البلاغة منذ حداثة سني وفي ريعان شبابي، وقد هداني نهج البلاغة إلى شخصية علي بن أبي طالب، فكتب هذا الكتاب: الإمام علي صوت العدالة الإنسانية. حتى الشخص الذي ليس له أي دين - أي إنه لا يؤمن بأي دين - عندما يتعرف على شخصية الإمام أمير المؤمنين يخضع لها و يبجلها و يعظمها.
فقد كانت هناك حالة مدهشة في الإمام أمير المؤمنين، حيث اجتمعت فيه ثلاث خصوصيات غير متلائمة فيما بينها حسب الظاهر. فقد كان الإمام أمير المؤمنين إنساناً قوياً ومقتدراً وفي الوقت نفسه كان إنساناً مظلوماً، وكان مع ذلك المنتصر النهائي في الأحداث المختلفة.
إذا أردنا فهم قوة أمير المؤمنين واقتداره بصورة صحيحة فيجب أن ننظر للمساحة الواسعة للمنطقة التي كان يحكمها أمير المؤمنين، وذلك البلد العظيم الكبير الذي كان تحت إدارة أمير المؤمنين، من أقصى شرق أفغانستان الحالية إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط ومصر ـ كلُّ هذه المنطقة الواسعة ـ كانت تدار من قِبَل أمير المؤمنين، بمنتهى القدرة والمتانة. إرادته الفولاذية وشجاعته وفنونه العسكرية ولسانه القوي ومنطقه الجذاب ـ حيث كلمات أمير المؤمنين وخطبه الحماسية الطافحة بالحكمة لا تزال إلى اليوم دروساً نورانية لقلوب كل الناس ـ كلها علامات اقتدار. ذراعه القوية وفكره القوي وإرادته القوية وإدارته القوية ولسانه القوي، كلها مكونات إنسان قوي مقتدر.
ومع ذلك فإنَّ هذا الإنسان القوي إنسانٌ مظلوم. ويتسنى ملاحظة علامات هذه المظلومية في سلوك أعدائه، وفي سلوك حُسَّاده، وفي التهم الدنيئة التي وجهها له عملاء أعدائه في زمن حياته، وفي الخواص الطامعين في الدنيا حيث انفصل عنه بعض المقربين إليه والخواص بسبب طمعهم في الدنيا. هذه علامات ومؤشرات مظلومية هذا الإنسان العظيم. هذه الضغوط التي مورست من جهات مختلفة على هذا الإنسان الكبير كانت إلى درجة أن هذا الإنسان الصبور القوي الواسع الصدر ذا القلب الكبير بكِبر البحار، كما هو معروف، كان يبثُّ همومه لبئر الماء ويتحدث معه. هذا دليل مظلومية الإمام علي بن أبي طالب. وبعد رحيله واستشهاده وإلى سنين طويلة بقي أعداؤه المتربعون على عرش السلطة والحكم، بقوا يهينونه على المنابر في كل أنحاء البلد الإسلامي الواسع، ويسيئون القول له وهو الذي كان مثالاً للتقوى والعدل والإنصاف.
ومع ذلك عندما ينظر المرء إلى مُجمل هذه الأمور والأحداث يرى أنَّ المنتصر النهائي في هذه المعركة الطويلة هو أمير المؤمنين. لاحظوا أنتم اليوم اسم أمير المؤمنين وشخصيته أين هي في آفاق الإنسانية العظيمة وفي التاريخ البشري؟ إنها في الذروة ولا ذِكر لأعدائه. كتابه نهج البلاغة درسٌ للناس العظماء. سيرته أبرز وأبهى سيرة إنسانٍ بعد نبي الإسلام المكرم، وعدالته وعبادته وشخصيته العظيمة بارزة مشرقة في العالم اليوم. سبيله انتصر على سبيل أعدائه، وكان هو المنتصر النهائي.
~الإمام الخامنئي ٢٠١٨/٦/٤
إحدى مؤشّرات حكومة أمير المؤمنين أنّها نابعة من إرادة ومشيئة النّاس. "التغلّب" – أي الحكم على النّاس عن طريق الغلبة والإجبار- ليس له مكان في منطق أمير المؤمنين. مع أنّه كان يرى أنّه على حق لكنّه جلس جانباً، حتى جاء النّاس إليه، أصرّوا وألحّوا ولعلّهم بكوا وتوسّلوه أن يستلم زمام الأمور. حينها جاء واستلم زمام أمور النّاس. يقول هو أنّه لو لم يأتِ النّاس؛ لو لم يكن إصرار النّاس، لو لم يكن هذا مطلب النّاس الجدّي، لم يكن لديّ ميل للقيام بهذا العمل. لا توجد أيّ جاذبيّة بالنسبة لأمير المؤمنين في الحصول على السلطة وإعمال القوّة. طلب السلطة جذّاب لمن يريدون إرضاء أهوائهم النفسانية وشهواتهم، لا لأمير المؤمنين. هو يسعى لأداء التكليف الشرعي؛ يسعى لإقامة الحق. منحه الناس السلطة، واستلمها هو وحافظ عليها بقوّة. وعندما عارض البعض سلطته الإسلاميّة وحكومته الإسلاميّة في بعض المواقف، لم يجامل أحداً. هم صحابة النّبي، حسناً! لديهم سوابق في الجهاد في سبيل الإسلام، فليكن ذلك! لقد عارضوا وواجهوا حكومة الحق ويجب الوقوف بوجههم بقوّة تامّة؛ ووقف بوجههم! حروب أمير المؤمنين الثلاثة كانت من هذا القبيل. هذا مؤشّر لحكومة سليمة وصحيحة.
~الإمام الخامنئي ٢٠٠٢/٩/٢١